أكد جمال كنج في مقال كتبه لموقع ميدل إيست مونيتور أن التاريخ يعلّم أن الفظائع غالبًا ما يُعترف بها بعد وقوعها، كما حدث مع تهجير الشعوب الأصلية والعبودية والمحرقة وسربرنيتسا ورواندا. واليوم تتكرر المأساة نفسها في غزة، لكن بفرق جوهري: العالم يشاهدها مباشرة وعلى الهواء.
أوضح الكاتب أن "الجمعية الدولية لدارسي الإبادة الجماعية" أعلنت في 31 أغسطس أن ما يجري في غزة يطابق تعريف الإبادة الجماعية وفق اتفاقيات الأمم المتحدة. هذا القرار حوّل ما كان يُعتبر نقاشًا سياسيًا مثيرًا للجدل إلى حقيقة قانونية مؤكدة. اعتبر كنج أن هذا الموقف العلمي الصادر عن أبرز الخبراء في جرائم الحرب والإبادة يمثل تأكيدًا لما يقوله الفلسطينيون ومنظمات حقوق الإنسان منذ البداية: غزة ليست ساحة حرب، بل مسرح إبادة جماعية.
كشف المقال أرقامًا صادمة عن حجم الدمار، إذ أسقطت إسرائيل حتى مايو 2025 أكثر من 100 ألف طن من المتفجرات على مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل 548 رطلاً من المتفجرات لكل متر مربع. بالمقارنة، قصف الحلفاء ألمانيا في الحرب العالمية الثانية بكمية أقل بسبعين مرة من حيث الكثافة. كما أشار الكاتب إلى أن القصف الإسرائيلي على غزة تجاوز بأضعاف عملية "الرعد المتدحرج" في فيتنام، التي كانت تُعتبر أشرس حملة جوية في التاريخ.
نتيجة هذا الدمار أن غزة أصبحت أكثر بقاع الأرض تعرضًا للقصف المكثف في التاريخ الحديث، مع مضاعفة المأساة بسبب الكثافة السكانية العالية التي تصل إلى 6300 نسمة في الكيلومتر المربع. أرقام الضحايا تعكس حجم الكارثة: أكثر من 64 ألف قتيل بينهم 20 ألف طفل، إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الركام. كما توفي مئات جوعًا بينهم أطفال، وأصيب أكثر من 161 ألف شخص بجروح خطيرة، من بتر أطراف إلى العمى والإعاقات الدائمة.
أشار التقرير إلى أن 92% من مساكن غزة دُمّرت أو تضررت، فيما نزح جميع السكان تقريبًا داخل القطاع، بعضهم مرات متكررة. لم يعد الناجون يتحدثون عن بيوت بل عن ركام ومقابر. وأكدت الجمعية الدولية أن استهداف الأطفال يوضح نية الإبادة، إذ إن القضاء على الجيل الجديد يعني القضاء على إمكانية بقاء الشعب الفلسطيني.
ذكّر الكاتب بقرارات قضائية دولية مهمة: المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات توقيف بحق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت بتهم جرائم ضد الإنسانية، بينها تجويع المدنيين. أما محكمة العدل الدولية فأكدت في ثلاثة قرارات منفصلة أن ما يجري في غزة "إبادة محتملة" وأمرت بفتح ممرات فورية للمساعدات الغذائية.
ورغم هذه الأحكام، واصل الغرب تزويد إسرائيل بالسلاح والمال والدعم الدبلوماسي. وحذّر كنج من أن التاريخ سيحمّل المسؤولية ليس فقط لمن يضغط على الزناد، بل أيضًا لمن يزوده بالسلاح ويغطي جرائمه سياسيًا وإعلاميًا.
خلص المقال إلى أن قرار "الجمعية الدولية لدارسي الإبادة" فضح استخدام تهمة معاداة السامية كسلاح سياسي لإسكات الأصوات الحرة. عندما يتفق أبرز خبراء المحرقة والإبادة في العالم على أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية، يصبح توظيف هذه التهمة للتغطية على جرائم إسرائيل مشاركة صريحة في القتل الجماعي.
https://www.middleeastmonitor.com/20250908-crying-antisemite-to-shield-israeli-genocide-and-mass-murder/